-------
الأب نيكانورينا - الذي استدعاه دون ابولينار موسكوتي من المستنقعات لكي يقود مراسيم الزفاف - كان شيخا ايبسته طبيعة عمله القاسيه , كان له جلد خنزير لا يكاد يغطي عظامه الناتئه , كرش بارز و مستدير , و تعبيرات وجه ملاك عجوز ينم عن الغفله اكثر مما ينم عن الطبيعه .. كان ينوي العوده الى كنيسة ديره بعد الزفاف , لكن مسه الرعب بسبب جفوة ماكوندو الذين اذدهرت بينهم الرذيله , فقد كانوا يحيون حياة غافله دون تعميد ابنائهم , و لا اهتمام بالمظهر الديني لاحتفالاتهم فاعتقد ان ارضا ما لا تنقصها الحاجه اليه من اجل بذرة الله اكثر من هذه الارض فقرر البقاء اسبوعا كي ينصر المعتدلين و المهذبين
..
يقنن الزناة و يقدس روح المحتضرين . لكن احدا لم يلتفت اليه , اجابوه بانهم قنعوا في حياتهم سنوات بدون قسيس مرتبين مصالح الروح مباشرة مع الله , و انهم فقدوا سوء كبائر الذنوب , رأى الاب نيكانور نفسه بمثابة من يعظ نفسه في صحراء غير مأهوله.. لذا تأهب للشروع في بناء معبد , يكون اكبر معابد الدنيا , بقديسين بالحجم الطبيعي , و زجاج ملون في الجدران حتى يأتي الناس ابتداء من روما لتمجيد الله
...
في مركز الجحود , تجول في كل مكان طالبا صدقه في طبق من نحاس , اعطوه الكثير , لكنه يريد الأكثر لأن معبده لا بد ان يتميز بجرس يؤدي حماس رنينه الى استخراج الغرقى من القاع للطفو على السطح , طلب كثيرا حنى ضاع صوته , وبدأت عظامه تمتلىء بالصلصه
..
في يوم سبت , لكونه لم يجمع حتى ما يعادل ثمن الابواب استسلم للاضراب بسبب اليأس , عمل مذبحا مرتجلا في الميدان , ويوم الاحد طاف القريه يقرع جرسا مثلما كان يحدث ايام وباء الارق , داعيا الى صلاة في الهواء الطلق , حضر الكثيرون بسبب حب الاستطلاع , آخرون بسبب الأشواق و وآخرون حتى لا يأخد الله الامر كموقف شخصي , وهكذا جاءت نصف القريه الى الميدان في تمام الثامنه صباحا , حيث رتل نيكانور الاناجيل بصوت حزين بسبب التضرع . وفي النهايه عندما بدأ الحاضرون في التفرق رفع ذراعه اشارة لتنبيه الحاضرين و قال : لحظه , الآن سنعرض دليلا لا يمكن الطعن فيه على قدرة الله التي لا حد لها
..
الصبي الذي كان يساعد في الصلاه , قدم له فنجانا من الشوكولاته غليظة القوام يتصاعد منها البخار , تجرعه دون تنفس .. من ثم , نظف الشفاه بمنديل اخرجه من كمه , بسط ذراعيه , اغلق عينيه . هنا ارتفع الاب نيكانور اثنى عشر سنتيميترا فوق مستوى الارض , لقد كان عرضا مقنعا . تجول عدة ايام بين البيوت , مكررا التجربه التي يعلو فيها عن طريق دفع الشوكولانه , بينما الصبي الشماس يجمع نقودا وافره في جوال , حتى في اقل من شهر بدأ بناء المعبد
..
لا أحد تسرب اليه الشك في الاصل الإلهي للتجربه, الوحيد الذي شك فيها كان خوسيه اركاديو بوين ديا , عندما لاحظ دون انفعال تلك الجمهره من الناس تتجمع صباح احد الايام حول القسطله لحضور التجربه المعجزه من جديد , لم يكد يحط جسمه في كنبته الصغيره , و يهز كتفيه حتى بدأ الاب نيكانور يرتفع عن الارض و معه كرسيه الذي كان جالسا عليه , نطق خوسيه اركاديو بوين ديا باللاتينيه
:
ان الامر بغاية البساطه , هذه الحاله الرابعه للماده التي اخترعها الانسان
..
و وسط عدم فهم الجمهور المتجمع رد عليه الاب بعد ان هبطت ارجل الكرسي الاربع الى الارض : لا اوافقك فالامر
حقيقه وجوديه في التجربه , لا شك فيها
..
وهكذا عرف ان رطانة خوسيه اركاديو بوين ديا الشيطانيه لم تكن سوى اللاتينيه .. اقتنص الاب نيكانور فرصة وجود الشخص الوحيد الذي استطاع فهمه لمحاولة بث العقيده في عقل المشوش , في كل الامسيات كان يجلس بجوار القسطله يعظه باللاتينيه , لكن خوسيه اركاديو بوين ديا اصر دائما على عدم قبول الحيل البلاغيه و المعجزه الشوكولاتيه , ونادى بالصوره الشمسيه لله كدليل اوحد , الاب نيكانور حمل اليه ميداليات و تصاوير بل جاء بنسخه من الصوره الحقيقيه للمسيح - الفيرونيكا -لكن خوسيه اركاديو بوين ديا رفض هذه الاشياء ايضا باعتبارها صناعات يدويه بدون اساس علمي
..
لقد كان عنيدا جدا حتى ان الاب نيكانور تنازل عن فكرة تنصيره . و استمر يزوره استجابة لمشاعر انسانيه .. ولكن خوسيه اركاديو بوين ديا خو الذي انتزع منه المبادره وحاول تخليص القسيس من عقيدته بالاعيب عقلانيه .. وفي احدى المرات حمل الاب نيكانور رقعة مربعات لعبة السيجه , مع احجار اللعبه ودعاه للعب معه
..
لم يقبل خوسيه اركاديو بوين ديا لأنه حسبما قال لم يقدر يوما على كل القواعد , الاب نيكانور , لم ير مطلقا اللعب بدون هذا المنطق فلم يعد للعب السيجه قط . سأله وقد تصاعدت دهشته لالمعية خوسيه اركاديو بوين ديا - كيف يمكن ان يُربط مثله في شجره
اجابه : لأنني مجنون
..
============
" جزء من " مائة عام من العزله
لجابريل جارسيا ماركيز
..